برغم أنّ الوطن العربي كله يُعتبر من مستهلكي الشاي الأوائل في العالم، إلا أنّ عادات وتقاليد وطرق إعداد هذا السائل السحريّ، تختلف من بلد إلى بلد. كما أنّ هذه التقاليد العربية تختلف هي الأخرى في مقابل شعوب العالم الأخرى، لدرجة تجعلك تتساءل عمّا إذا كان هذا المشروب يستحق نفس الاسم في كل مكان.
البعض يفسر شعبية هذا المشروب لدى سائر شعوب العالم بكلفته المنخفضة نسبيًا، وهو غير محرم في أيّ ديانة، وغير منتقد في أيّ مجتمع. لذلك سُمّي الشاي في العالم العربي بخمرة المناضلين والثوار...
الشاي عند العرب
لا توجد دلائل على أنّ العرب عرفوا الشاي في العصر الجاهلي أو في صدر الإسلام. ويقدر بعض المؤرخين أنّ الشاي لم يُعرف في الوطن العربي حتى القرن العاشر للميلاد، حين ورد ذكره لدى البيروني في كتب رحلاته، "بأنّ الصينيين كانوا يشربون شراباً ذهبياً يسمى الشاي". ومن المتبع القول إنّ العرب عرفوا الشاي بشكل رئيسيّ منذ القرن التاسع عشر، وهي نفس فترة انتشاره أيضًا في الأناضول وتركيا. وفي مصر مثلا، دخل الشاي مع الاستعمار البريطاني عام 1882م، ولكنه كان في البداية مشروبًا نخبويًا مقصورًا على الأسر الأرستقراطية والخديوية، وكانوا يسمونه وقتها "الخروب".
أما في المغرب فقد اشتهر الشاي (الأتاي) في القرن 18، بعد أن قدم مبعوثون أوروبيون الهدايا للسلطان العلوي من أجل إطلاق سراح أسراهم، وكانت من بين الهدايا أكياس شاي وسكر. أما في العراق فقد دخل الشاي مع الاستعمار البريطاني، وهم أيضًا من أدخلوا كلمة "استكان"، وهي كلمة عربية اشتقت من المصطلح الإنجليزي (East Tea can)، ومعناها كوب الشاي الشرقي، وهكذا يطلق العراقيون تسمية "إستكان جاي" على فنجان الشاي.
طرق إعداد الشاي في العالم الإسلامي
السعودية: يُغلى الشاي مع الماء ويُوضع عليه السكر حسب الطلب. الشاي السعودي خفيف في العادة ويضف عليه أحيانا النعناع أو الليمون أو العطرة أو الزعتر أو المارمية أو الزنجبيل أو الهيل أو القرفة. ومن الإضافات النادرة في السعودية، وغير المعروفة للكثير من السعوديين أنفسهم، الحرجل والبشام .
مصر: يُغلى الشاي في الماء بكمية كبيرة وفوقه يُضاف السكر وفق الطلب. الشاي المصري ثقيل جدًا ولونه أسود (حِبر) والبعض يضيف عليه إضافات أخرى، ولكن هذا غير منتشر كثيرًا في مصر.
السودان: يُغلى الشاي في الماء، حتى يصبح لونه أسودَ، وتُضاف عليه كمية من السكّر والقرفة بكمية كبيرة.
ليبيا: يمكن القول ببساطة إنّ الشعب الليبي من أكثر شعوب العالم شربًا للشاي الأسود (المغلي بكثرة).
إيران: في إيران يشربون الشاي بوضع قطعة سكر في الفم، ومن بعدها يحتسون الشاي المغليّ.
العراق: ثمة عادات عراقية في طقوس الشاي وأبرزها الدشلمة والشكرلمة، وهي تسميات محلية جميلة.
شمال أفريقيا: عمومًا، ينتشر الشاي الأخضر بالنعناع الطازج والسكر في دول الشمال الأفريقي، ويعتبر تكرار تقديم أكواب الشاي للضيف من سمات الكرم.
المغرب: لا تكاد تمرّ وجبة طعام في المغرب لا يتلوها كوب شاي مغربيّ أصيل، الذي يُقدّم في العادة مع النعناع والسكر البني. ويبرز في المغرب جمال الأدوات المستعملة لتحضير الشاي وتقديمه، مثل الصينية والبراد (الإبريق) المصنوعين من الفضة المزينة بنقوش يدوية.
تركيا: الأتراك يحبون شرب الشاي وخاصةً الأسود وهو من تقاليدهم العريقة، وتننتشر عادة تناول الشاي وتبادل الأحاديث في المحلات المخصصة، ونظراً لإمكانية زراعة الشاي على الضفة الجنوبية من مناطق البحر الأسود بدأ الأتراك تدريجياً في الاعتماد على أنفسهم في زراعته.
القدس: يجب أن تنتظروا خمس دقائق قبل صب الشايّ في القدس. أشهر أنواع الشاي في هذه المدينة السيلاني والهندي، وطريقة إعداده لا تختلف عن سائر المدن الفلسطينية، حيث يُضاف إليه النعناع الطازج أو البابونج والريحان والزهورات.
طقوس وتسميات الشاي في بعض أنحاء الوطن العربي
شاي الضحى: كان شاي الضحى جزءاً من طقوس النساء النهارية في الكويت. كان الرجال يخرجون لرحلات غوص لأيام عديدة، فكانت الكويتيات يشربن شاي الضحى باعتباره التسلية الوحيدة وأحد مظاهر الترف، لأنّ الشاي الأسود كان يأتي من الهند ، ثم تقوم النساء بغليه بالماء والسكر، فتخفف حلاوته من مرارة بُعد الأزواج في البحار.
شاي كرك: متداول في دولة الإمارات العربية وعُمان في الصبح والمساء. فشاي الكرك من أمتع المشروبات الدافئة التقليدية. الكرك هو شاي مغلي مع حليب مبخر وسكر، ويُغلى حتى يصبح لونه شبه أحمر. وقد أتت تسميته من الهنود الذين يطلقون عليه "كرك"، وتعني "الجامد أو المضاعف".
شاي كشري: يتمتع الشاي في مصر بمزاج وكيف شعبيين، لدرجة أنّ شاربي الشاي المصريين الحقيقيين لا يشربون الشاي المصنوع من الأكياس. الجواب هو في شاي الكشري، وهو شاي منثور وله وريقات سوداء. ويأتي اسمه من خلط أوراق الشاي بالسكر والماء، ثم تُغلى كلها معًا حتى يعقد الشاي ويسودّ لونه.
شاي مع النعناع: يدرج هذا النوع من الشاي بشكل كبير في الشام (سوريا ولبنان وفلسطين)، حيث تهتم النساء بزرع النعناع الأخضر في "إصيصات" تُوضع على الشرفات ونوافذ البيوت. ويرافق الشاي وجبة الفطور لأنه يساعد على هضم الفول والحمص والجبن والكشك.
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:48 pm 
