رغد _ سوء تفاهم

رغد _سوء تفاهم
فى المساء اتصلت بـ “رغد” لأخبرها بما حدث بيومى ..
- مرحبا “رغد” .. لقد كان يومى حافلا ولم أستطع أن أنام دون أن أحكى لك ..
- أحكِ لى .. أين ذهبت وماذا رأيت؟
- خمنى ..
- امممممممممممم .. هل ذهبت فى نزهة من دونى؟
- شئ مثل هذا ..
- حسن .. لن أحاسبك قبل أن تحكى لى ماذا حدث؟
- ذهبت إلى شارع الزهور حيث تباع البذل والفساتين .. والمفاجأة الكبيرة أنى أشتريت بذلة بيضاء!!
- من الواضح أنك مطيع وتسمع الكلام.
- طبعا .. الأهم من ذلك أنى رأيت فستانا للزفاف غاية فى الروعة .. وكنت أريد أن أصطحبك لرؤيته وإذا ما أعجبك سنشتريه .
- هذا شئ يسعدنى و لكن لا أريد أن نتسرع بهذه الخطوة.
- لماذا؟
- أنت تعلم أن المرض يعود فى حالات كثيرة .. ولا أريد أن تتورط فى الزواج من إنسانة قد تريك العذاب أثناء مرضها .
- يجب أن تخرجى من أوهامك .. المرض لن يعود مرة أخرى .. هذه فقط معلومة يقولها الأطباء لمن تم شفاؤهم كى يضمنوا التزامهم بتعليمات ما بعد الشفاء ولن نعيش أسري لكوابيس لن تتحقق.
- نعم ولكن .. “نادر” .. متأسفة سأضعك على الــ “Hold” لدقيقتين.
وقبل أن أرد كانت موسيقى الانتظار المزعجة تقتحم أذنى .. لا شئ يضايقنى في هذه الحياة مثل أن يضعنى أحدهم على هذا الشئ اللعين المسمى بالـ .. “Hold” أشعر وكأنه يريد أن يقول “سأفعل أشياءا لا أريد لفضولى مثلك أن يسمعها” .. علي العموم لن أفتعل مشكلة مع “رغد” بسبب أمر تافه كهذا .
بعد 7 دقائق عادت “رغد” وقالت :
 -متأسفة يا “نادر” .. ولكن “تيتة” كانت تحدثنى بأمر ولم أستطع أن أؤجل حديثها .
قلت من بين أسنانى :
- لا توجد مشكلة.
- حسن .. ماذا كنا نقول؟
- كنت أقول أنى أريد أن ألقاك كى ترى الفستان الذى أعجبنى؟
- متى؟
- غدا مثلا؟
- صعب ..
- لا تخبرينى أن السبب هو “تيتة” من فضلك!
- أعلم أن هذا سيغضبك ولكن بالفعل السبب هو وجود تيتة عندنا ..
- هممممممممممممممممم
- كان هناك أمر ما لم أخبرك به من قبل ولكن بما أن الموضوع تم فتحه فسأخبرك لكن من فضلك لا تغضب.
- ………………
- حين جاءت “تيتة” إلي هنا لزيارتى بعد العملية اشتكت لأمى أنها لم تعد تشعر بالراحة بمنزلها بسبب أن خالى الذى يقطن معها بنفس المنزل يضايقها كثيرا .. كما أن زوجته تفتعل معها الكثير من المشاكل .. لذا فإن أمى قد اقترحت عليها أن تبقى معنا بالمنزل وقد وافقت .. وبالأمس ذهبت مع بابا وماما وأخذت حاجياتها من هناك ونقلتها إلى هنا.
- عظيم .. وطبعا تيتة تركت كافة غرف المنزل واختارت أن تقطن معك بغرفتك؟
- رغم أنك تقولها على سبيل السخرية ولكن هذا حقيقى.
- حسنا ..
- ماذا تعنى؟
- أعنى أنه ليس لدى تعليق .. عموما أنا ليس لى حق التدخل فى هذا الأمر .. والآن أستأذنك يا “رغد” .. مع السلامة .
- “نادر” !!
- صدقينى لا أستطيع التحدث الآن .. سلام.
ثم أغلقت الخط .. لم تكن مشكلة وجود جدتها معها بالغرفة كبيرة إلى هذه الدرجة ولكني أرفض “شرعنة الحجج” أو تطويل أمدها أو تأبيدها .. بمعني أن يختار أحدهم حجة لن تنتهى أبدا .. يمكنها أن تغلق الهاتف بوجهك ثم تقول لك “تيتة” .. أو لا تخرج معك والسبب – طبعا – تيتة .. أو تفعل أى شئ والسبب دوما جاهز .. وأنت لن تستطيع الإعتراض .. هل ستقول لها “أطردى جدتك من غرفتك أو أعيدوها إلى منزلها”؟ .. لن تقل هذا بالطبع وبالتالى فإنك سترضخ للأمر الواقع .. لدى قاعدة ولا أحيد عنها وهى أن الحجة إذا ما تكررت أكثر من ثلاث مرات فهى “استهبال” .. هذه قرينة لا تقبل إثبات العكس بالنسبة لى وعلى “رغد” أن تجد حجة أخرى أو أن تتقبل بصدر رحب أن تكون هذه أول نقطة سوداء فى علاقتنا .
حاولت “رغد” الاتصال بى فقمت بــ”كنسلة” أول مكالمة كى تعرف أنى أرى الهاتف المحمول .. حاولت مرتين أخرتين ولكنى لم أرد .. هى لم تر وجهى الآخر بعد .. منذ رأيتها لم تر إلا وجهى الطيب الحنون المتفهم المستعد لفعل أى شئ من أجلها .. وأنا لم أتغير ولكن طالما أن الأمر وصل لهذا الحد فلتتحمل إذن نتيجة أقوالها وأفعالها .. لم أتصل بها لمدة ثلاثة أيام .. نعم أحبها وأثر فى كثيرا عدم كلامى معها ولكن لست أنا من يقبل شروط الإذعان .

باليوم الرابع اتصلت بى .. فكرت هل أرد أم لا؟ .. وجدت أن أضرار عدم الرد أكثر من فوائده لذا رددت فى فتور :
- مرحبا “رغد”.
- مرحبا “نادر” .. لو لم أتصل بك ما كنت ستتصل؟
- لا أعرف.
- حقا لا تعرف أم أن الإجابة هى لا؟
- بالفعل لم أكن لاتصل لأنى غاضب.
- أنت تحاسبنى على شئ لا يد لى فيه !
- أنا لم أحاسبك على بقاء جدتك فى منزلكم إلى الابد .. هذا شأن لا يعنيني .. ولكن من يريد أن يفعل شئ سيجد طريقة لفعله .. أما من يبحث لنفسه عن حجة طويلة الأمد فهو – على الأرجح – يهز ثقتى به بقوة.
- هل تلمح إلى أنك بدأت تفقد ثقتك بى؟
- أنا لا ألمح لشخصك بل أتكلم بأحكام موضوعية تسرى على الجميع .. فإذا ما رأيتى أن تلك الاحكام تنطبق عليكى فتلك هى مشكلتك.
- حسنا يا “نادر” .. فقط كنت أريد أن أتصل بك لأخبرك أنى سأحاول فعل أى شئ كى لا يؤثر وجود “تيتة” على علاقتنا .. هل يمكن أن تعود “نادر” الذي أعرفه؟
- سأحاول.
- لا تكن “رخم” ..
- هممممممممممم
- حسن .. يبدو أنك لا تريد المفاجأة التى كنت أجهزها لك؟
- تمسكيننى من يدى التى تؤلمنى .. حسن .. ما هى المفاجأة؟
- أنا أوافق أن نذهب معا لأرى ذلك الفستان.
- هذه هى “رغد” التى أحببتها ..
====================
فى الموعد المحدد ذهبت مع “رغد” إلى ذلك المحل ورأينا الفستان .. بدا عليها ملامح الإنبهار .. قالت فى سعادة شديدة:
 -هذا الفستان المذهل تريد أن تشتريه لى انا؟
- طبعا ..
- إنه جميل جدا .. لم أكن أعلم أنك تحبنى لهذه الدرجة!
قلت ساخرا:
 -وهل عرفتى كم أحبك من ثمن الفستان؟
- لا يا “غلس” .. ولكنك فكرت كم أن الفستان سيناسبنى ولم تفكر فى السعر .. وهذا له معنى كبير عندى .
- عموما أنا جاهز لشرائه الآن.
- لا ليس الآن .. تعال نذهب لمكاننا المعتاد لنتحدث قليلا.
- هيا بنا ..
استقللنا السيارة وذهبنا إلى المكان الذى اعتدنا الجلوس فيه .. كان أول ما قلته هو :
- هل تعلمين أننا لم نجلس هنا منذ العملية؟
- نعم أعلم .. مر هذا الوقت كأنه دهر ..
- بالفعل .. ولكنى كنت أريد أن أحدثك فى أمر مهم ..
- ما هو؟
- كنت قد عرضت عليك الزواج مرتين من قبل ولكنك تحججتى بحجج كانت تبدو منطقية والآن أعرضه عليك للمرة الثالثة وأرجو ألا يكون هناك حجج أخرى ..
نظرت “رغد” إلى الأفق .. ثم قالت وقد بدا على وجهها التأثر:
- حسنا .. دعنى أخبرك بالحقيقة .. أنت تعلم أن حالات كثيرة يعود لها السرطان مرة أخرى بعد الشفاء .. وهناك أمور وقائية كثيرة .. كما تعلم أنى أتابع باستمرار مع الجراح الذى أجرى لى العملية لكى أعرف حقيقة حالتى الصحية .. قبل أن تفاتحنى بالموضوع للمرة الثانية كنت عند الطبيب وقال لى أنه لا مشكلة فى زواجى على الإطلاق ولكن لا يمكننى التفكير فى الإنجاب قبل مرور خمس سنوات على إجراء العملية .. وهذا ما جعلنى أماطل فى الأمر وأتحجج بــ”شعرى” حتى تعيد التفكير لأنى لا أريد أن أظلمك معى أكثر من هذا .. لا ذنب لك كى تتحملنى وأنا مريضة ثم تتحمل زوجة من المحتمل أن يعود لها المرض وتتحمل أيضا أنها لن تنجب قبل خمس سنوات من العملية .. هذا ليس عدلا.
سكتُ قليلا وقد آلمنى حال هذه المسكينة .. فى كل مرة لا تفكر بنفسها بل تفكر بى أنا .. فى كل مرة هى مضطرة لتقبل أمور صعب على أى أنثى أن تتقبلها .. لاحظت “رغد” سكوتى فقالت :
- إذا لم تكن تصدقنى فيمكننى أن أصحبك الآن إلى الجراح لكى تسمع بنفسك ما قاله لى.
- أنا أصدقك ولكنى لم أقتنع بالجزء الخاص بى … ليست لدى مشكلة أن أنتظر بلا أطفال لمدة خمسة سنوات .. هذا شئ من صنع الله ويمكن أن نكون أصحاء ولا ننجب طوال العمر .. فهذا أمر لا يجب أن يعطل زواجنا .. المهم أن نكون معا.
- ولكن لا يمكننى أن أقبل أن أكون سبب دائم بتعاستك .
- بل أنتِ سبب دائم بسعادتى ..
- ……………..
=====================
كنت سعيدا بأن صحة “رغد” قد تحسنت كثيرا .. لقد أصبحت جميلة .. جميلة إلى حد مبهر .. لقد رأيتها أول مرة أثناء المرض وكان قد أثر عليها كثيرا .. أما الآن فقد استعادت صحتها وظهر جمالها دون مرض يداريه فأصبحت فى غاية الروعة .. تذكرت صديقى الدكتور “محمد الشافعى” ووالده الذين جعلهما الله سببا فى شفاء “رغد” .. فقررت زيارتها لشكرهمها على ما قدماه لنا .. اتصلت بـ”محمد” وطلبت منه موعد منزلى .. وفى الموعد ذهبت وقابلته هو ووالده .. شكرتهما كثيرا على ما فعلاه وأخبرتهما أنى مدين لهما بحياتى .. قالا لى كلاما مهما عن العملية .. وعما بعد العملية !
عدت من زيارتهما منهكا جسديا ونفسيا . .أولجت المفتاح فى “كالون” الباب .. نظرت أمامه فوجدت ظرفا .. من الواضح أنه خطاب ما .. دخلت المنزل وأغلقت الباب خلفى ثم أضأت النور .. فتحت الظرف فوجدت ورقة مكتوب بها :
” ساعة الحساب اقتربت” !!!



ملاحظه : طبعاً القصه فيها اكثر من جزء فأنا حبيت أحط الجزء المهم و الأهم